الأرشيفبذور الأمل
التخلي على المواطنة داخل الوطن و البحث عنها خارجه
المواطنة هو مصطلح مرتبط بالمدينة، فالمدينة التي هي اليوم الوطن أو الدولة، و تضم مجموعة من الأفراد تقوم بالاعتراف بهم كأعضاء بها عن طريق منحهم مجموعة من الحقوق و طلب منهم مجموعة أخرى من الواجبات. هذه الحقوق و الواجبات لم تمنح بسهولة لأفراد المجتمع، بل افتكت على مر القرون بعد مقاومات و ثورات في مختلف بقاع الأرض.
صفة المواطنة إذن مرتبطة بالوطن، و الفرد في الوطن له جذور يمتد إليها، و بهذا الشكل، تكاد صفة المواطنة تورث كالجينات التي يعطيها الأجداد للاَباء، و الاَباء للأولاد، و هكذا. و بالرغم من تطور بعض التشريعات و القوانين في بعض الدول بإعطاء صفة المواطنة لأشخاص قادمين من دول أخرى، جذورهم لا تمتد لنفس البلد الذي يقطنون فيه، إلا أن غالبية دول العالم لا تعطي مثل تلك الاستثناءات.
أهم الحقوق التي يمتمتع بها المواطن و هي الحقوق السياسية كالحق في الترشح، الحق في تشكيل أحزاب أو جمعيات،… و الحقوق المدنية كحق الانتخاب، حق التعبير عن الرأي، حق الاجتماع،…الحس بالمواطنة يدفع المواطن لممارسة هذه الحقوق، و المطالبة بممارسة هذه الحقوق إذا كانت مصادرت لأن المشاركة في المجتمع هي المحرك الذي يدفع المجموعة لاكتشاف أفضل سبل تطورها. الحس بالانتماء و المشاركة في بناء المجتمع هو الذي يدفع أفراد واعين للعب أدوار ريادية في المجتمع عن طريق التكتل في مختلف أشكال التجمعات التي تعبر عن الرأي و التي تساعد على مرافقة مجموعات كبيرة، و تأطير فئات واسعة في مختلف مجالات الحياة، هذه التجمعات هي التي تشكل المجتمع المدني، و المجتمع المدني إذن يساهم بشكل كبير في ممارسة المواطنة.
ما يحدث عندنا اليوم و دون العودة للأسباب أن المواطن تخلى طواعية عن حقوقه المدنية و السياسية، تاركا الساحة فارغة لكل من أراد أن يكون قائدا عليه. قلت دون العودة للأسباب لأنه لا يوجد أي سبب يدفع بمجموعة كاملة بالتخلي عن حقوقها تاركة المجتمع يتقدم للوراء…
الغريب في الأمر أن الطلب على المواطنة موجود و هو ملح، و لكي تمارس هذه المواطنة تجد المواطنين مدمنين على كل الأحداث السياسية الموجودة خارج الحدود الإقليمية. متابعة الانتخابات في فرنسا و الولايات المتحدة، و معرفة كل أسرار و خبايا المترشحين و متابعة استطلاعات الرأي. للمواطن موقف محدد و بالبراهين و الحجج عن الوضع السياسي في تونس و سوريا و مصر، و هو يتابعه يوميا، و يعطيك أدق التفاصيل عن أن هذا الحاكم أو ذاك، و يقنعك لماذا هو مستبد و خطر على مستقبل كذا دولة و كذا شعب. يغير علم بروفايله تارة فخرا بالبرتغال و تارة يريد أن يشبه الشعب التركي. عندما تحاول شرح له حالة بلده، يقول لك، أنا خاطيني السياسة، و تسمع مثل هذا الكلام حتى من شخصيات فاعلة في المجتمع المدني.
صحيح أننا نعيش ضمن بيئة عالمية، نؤثر و نتأثر بما يحدث هنا و هناك و بشكل خاص بدول الجوار.شيء جميل أن تكون عضو في مجتمع منفتح على العالم. شيء جميل أن يأخذ الإنسان العبر من الشعوب الأخرى و معرفة ما يحدث عندها، لأخذ ما يمكن أخذه، و تفادي ما يمكن تفاديه. لكن، أين نحن من كل هذا. أين هي الجزائر من كل هذا. متى نعتني بهذا الوطن. متى نتخلى عن عادة ممارسة المواطنة في العالم الافتراضي و في دول أخرى. متى نبدأ بالمشاركة الفعلية و التخلي عن الأوهام التي لا تحقق على أرض الواقع. مؤلم هو حال الجزائر. مؤلم أكثر هو حالنا اليوم كشعب يتأثر ولا يؤثر بتاتا. صحيح أننا استرجعنا الوطن في 1962، غير أننا تخلينا على العمل لنصبح مواطنين.