آراء وتحاليل

ماذا لو كلّ الجزائر إيغزر انثاقة ؟ بقلم ريان بن براهم

التعبير و إبداء الرأي حقٌ من حقوق كلّ مواطن جزائري تجاه مختلف القضايا التي تخصه كمواطن في الدولة الجزائرية ، سواءٌ كان ذلك قبولاً أو رفضًا بشتى الطرق السلميّة التي يكفلها الدستور و القانون ، و قد يتحوّل هذا الحق في كثير من الأحيان إلى واجبٍ وطنيّ نضاليّ لابدّ منه لِما كان في ذلك درء مفسدةٍ و جلب مصلحة للوطن.. مواطنو إيغزر نثاقة مثال يُقتدى به ، هم الذين بدأ نضالهم قبل سنتين من الآن حين قرّر أحد المستثمرين الخواص و بدعم حُكومي إقامة مشروع خاص يتمثل في إنشاء مصنع إسمنت على أراضي إيغزر انثاقة الخضراء و مروجها التي تُعتبر مكسبًا طبيعيًا خلابًا من مكاسب باتنة الطبيعيّة التي يُفترض أن تُستغلّ زراعيًا و سياحيًا لِما تمتاز به من مقّومات و عناصر جذب لا حصر لها ، لا أن تُجرّد و توأد بتلوث بيئيّ يُسببه مصنع إسمنت ؟ مع مطلع سنة 2014 بدأ حراك نشطاء المنطقة على شكل اجتماعات ، تجمعات في الأحياء ، مراسلة القائمين على المشروع و الجهات المعنية به ، كتابة بيانات تنديديّة و إرسالها للسلطات الرسمية ، رغم ذلك لم توجد أي آذان صاغية آنذاك إلاّ أنّ النضال السلمي لم يتوقّف بل وسّع من وسائل فاعليّته لإيصال الفكرة و أخرج القضيّة إلى الإعلام حيث قام بعض نشطاء واد الطاقة الفيسبوكيون بإقامة صفحات مخصصة لهذا الغرض و اتباعها بحملات إعلاميّة و هاشتاغات و تصاميم جرافيكية تعبر عن رفض المشروع ، إضافة إلى إقامة مباريات رياضية وديّة تحت شعارات “لا لمصنع الإسمنت بواد الطاقة” التي كان من شأنها نشر فكرة القضية و التعريف بها والتي بدورها ساهمت في رفع مستوى الوعي لدى المواطنين واستقطابهم للالتحاق بمبادرة معارضة المشروع خاصّة الشّباب منهم الذين نزلوا الى عين المكان منظمين وقفات احتجاجيّة متفرقة بأعداد تقدّر بالعشرات لكن مع كل تلك المجهودات لم يطرأ أي تغيير حينها وكان صمت السلطات بمثابة استفزاز للمواطنين ، و ما زاد الطين بلّة هو تصريحات المستثمر خلال إحدى زياراته التي أجّجت الموضوع و صعّدته و التي رفضها سكان المنطقة رفضًا باتًا إلا أنها في نفس الوقت زادتهم عزيمةً و تمسّكًا بمطلبهم الشرعيّ و التي كانت سببًا لنزولهم الشارع يوم الجمعة الثامن من جويلية في مسيرة “الكرامة” الاحتجاجيّة السلميّة التي حضرها ما يقارب تسع آلاف مواطن مُطالب بإلغاء المشروع و اللافت الإيجابي في الموضوع أنه رغم الكم الهائل من المحتجين الذين حضروا و رغم انعدام التعزيزات الأمنية إلا أنّ المسيرة سارت بكل سلاسة و سلمية دون ملاحظة أي مظهر من مظاهر الانزلاقات و هذا إن دلّ على شيء فيدل على وعي المواطن البسيط القادر على تولي زمام أموره إذا ما أتيحت له الفرصة دون قمع .. و لم يكن اللافت الإيجابيّ الوحيد فحسب بل كان درسًا من مجموعة دروس يستطيع أي ذي لُبٍ استخلاصها من تجربة المواطَنة الفاعلة بإيغزر انثاقة :
• درس في وعي المواطِن الجزائري بحقه و واجبه تجاه الأرض .
• درس في تكاثف الجماعة و ارساءهم على مطلب موحّد مُتفق عليه ممّا قوّى موقفهم و جعل تحقيقهُ حتميّة لا بدّ منها .
• درس في منهجية المُعارضة و المُطالبة و تنويع و وسائلها .
• درس في الإصرار على استمراريّة النضال حتّى تُحقّق المطالب.
• درس في أنّ التغيير ليس وليد لحظةٍ إنّما هو نتاج عمل تراكمي كما حدث في بلدية واد الطاقة فبعد سنتين كاملتين من الحراك على عدّة مستويات نال المواطنون مطلبهم بإلغاء المصنع نهائيًا كما جاء أمس في تعليمة الوزير الأول عبد المالك سلاّل .
و رُغم أن تجربة اعزر نثاقة قد لا تبدو قضية نضاليّة بحجم القضايا الوطنية الكبري التي تحتاج الى نضالٍ حقيقيّ ضخم في الجزائر إلا أنها تجربة رائدة وجب استنساخها و الاقتداء بها ، فلو تعامل كل مواطنٍ جزائري في قُطره الذي يعيش فيه مع القضايا التي تعنيه بشكلٍ مباشر بهذه الطريقة وهذا القدر من الوعي لما تضخّمت مشاكل هذا الوطن و لمَا صعُبت مواجهتُها و استحالت حُلولها . و من هنا و انطلاقا من هذه التجربة المكللة بالنجاح أقول أنّ وعي المواطن بالمشكل و ادراكه المنهج المناسب لمُحاربته هو الشطر الأكبر من الحل ، علّنا نتعظ.
بقلم ريان بن براهم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق