آراء وتحاليلبهدوءوطني
أسئلة التكوين والمهن ومستقبل المدرسة الجزائرية؟؟؟
ما فتئ التلاميذ ينتهون من امتحان شهادة البكالوريا حتى أخطروا أنهم مدعوون لجولة إعادة جزئية لما شان بكالوريا هذه السنة من فضائح تسريب الأسئلة وما رافقه من صراعات سياسية ومواجهات إعلامية. إنها شهادة مفصلية تحاول قدر المستطاع أن تحافظ على شيء من نبلها في عالم دائم التغيير والتحولات. ولكن أين هي البكالوريا المهنية؟ إن أغلب الطلاب يحلمون بالحصول على شهادة طبيب أو مهندس أو صيدلاني أما غيرهم فيأسفون لأنهم يوجهون نحو العلوم الاجتماعية التي تعاني تماما كما تعاني البلاد في مجتمعها. يريد الجميع أن يعيش مسارا جامعيا طويلا في الوقت الذي نعاني فيه الأمرين في إيجاد سباك يقنع بأقل مما يتقاضاه أستاذ في الطب وفي بلاد تسنورد البنائين والعمال من الصين لفتح الطرقات وبناء المساكن.ومع ذلك، أليس من الأجدر أن يكون المرء حرفيا ماهرا من أن يكون محاميا أو مهندسا بطالا تعيسا؟ وعليه،ما الذي زرع فينا هذا الجنون الذي يريدنا أن نقتات من تلك الألقاب الجوفاء الفارغة من كل معنى ودلالة من مثل دكتور وأستاذ وكل جعجعة لا نرى لها طحينا. . أين هم حرفيو السباكة والنجارة والكهرباء والطلاء؟ أين هم الذين يعيشون من أيديهم وسواعدهم وعرقهم من دون استغلال عمل الآخرين. الكل يريد أن يصبح مدير مؤسسة لكن دون مؤسسة. لقد أظهر الاقتصاد الموازي حدوده و أثبت فشله أما عالم الحرف فيضفي الاستقرار الاقتصادي في المجتمع و يمنحه دورا رياديا متميزا في مراحل الأزمات. لقد اعتقد الكثيرون أن تلك المهن قد تجاوزها الزمن بفعل الآلة الصناعية والتصنيع لكنهم تناسوا أن تلك الحرف والمهن تنطوي على قيم مضافة وتمثل أحد ركائز المجتمع الذي يدبر أحوال معاشه بما يملك من قدرات ومهارات. ما الذي سنفعله بتلك الأعداد الهائلة من الأطباء والمهندسين البطالين بينما لا نجد كهربائيا أو مصلح غسالات؟ أين هي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تضبط وتعزز العلاقات الإنسانية؟ إن المدرسة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن إهدار الطاقات لأنها لم توفق في مرافقة كل واحد من أبنائها حسب ميوله وعبقريته. إن التوجيه يجب ألا يكون بعد الحصول على البكالوريا ولكن قبل ذلك من خلال البكالوريا المهنية التي أهملت وتركت جانبا. فالاحترام كل الاحترام والفخار كل الفخار لكل حرفي ماهر يتقن عمله. كل ذلك ناهيك عما تقترحه وتوفره التكنولوجيات الجديدة من مهن جديدة والتي لا زلنا نجهلها ومن ثم لا نستثمرها في قطاع التكوين. فشهادات الماستر الكلاسيكية مثلا كان يفترض فيها أن تتحول إلى شهادات ماستر مهنية وتتكيف بذلك مع عالم يزداد تخصصا أكثر فأكثر. وإذا ما أخذنا بعين النظر ما سبق، نستطيع القول أننا لم نتمكن بعد من بناء توازن بين طالبي العمل وحاجياتنا المعاصرة كما أننا لم نستطع الحفاظ على الأحسن في ماضينا ولم نعرف كيف نستثمر فيما هو ضروري ومفيد لغدنا. والآن، ما موقع العلوم الاجتماعية من كل هكذا وكيف تبنى وتتأسس؟ إن حبنا للعلوم الاجتماعية يولد في رحم حبنا للقراءة. فهل حببنا القراءة لتلاميذنا؟ وهل يجبر التلاميذ عللا قراءة كتاب واحد على الأقل في الأسبوع خارج الكتاب المدرسي ومناقشته مع المعلم والأستاذ؟ لماذا لا نرى المواطنين في الحدائق يحملون كتبا؟ لماذا لا تستغل أيادينا إلا في تغذية معدتنا ولا تستعمل لتغذية عقولنا؟ كيف يمكن أن نولع بالعلوم الاجتماعية من دون حب الكتاب؟ ذلك ما يفسر إهمال هذه العلوم رغم أنها تعد بحق لوحة القيادة وخارطة الطريق في أي مجتمع وأي أمة. إن لم نحب الكتاب فإننا لن نكون عقولا في هذه المجالات بل ونزيد من كم أولئك الذين خيبت آمالهم في الحصول على تلك النعوت الفارغة والتي تضاف لمهن ومجالات بلغت حدود التشبع القصوى.. كل شيء يولد من الولع والشغف وعكس ما يعتقد فان الولع ليس فطريا.فهو بحاجة لدافع اجتماعي وثقافي ينميه ويغذيه ويفتقه.وربما حان الوقت أن يعاد تعريف مقام وقيمة أي مهنة. فالقيمة كما المكانة تكمنان فيما نقدمه من نفع للآخرين مع ممارستنا لمهنة تروق لنا وتمكننا من العيش بكرامة. هذا هو مفهوم القيمة والمقام ولا يوجد غيره. فلا قيمة أو اعتبار لمن يركب سيارة فاخرة و يتباهى باستيراد خبرة ومهارة بلدان أجنبية بينما يحطم قدرات وسواعد أجيال بكاملها تدور في حلقات مفرغة ولا تعرف كيف توظف عقولها وأياديها.
بقلم أميرة بوراوي