Mobilis Ad

ANEP PN2400002

آراء وتحاليلهكذا أفكروطني

هكذا أفكر (بقلم فضيل بومالة)

فضيل بوماله
فضيل بوماله

هل لغدنا مستقبل ؟
ما يحدث في الجزائر اليوم فاق كل التوقعات وتجاوز كل خيال وكل أنواع العبث. صحيح أنها نتائج منطقية لأزيد من خمسين سنة من الأوهام والكذب على الذات و العمى الجماعي لكن درجة تسارعها و تكاثر أعراضها في السنوات الأخيرة مخيفة وتنبئ بمخاطر حقيقية على كياننا الجمعي. كل يوم نصبح فيه على خطأ ونمسي على خطأ آخر. وما من يوم يمر إلا وتتحول فيه أخطاؤنا لخطايا وانحرافات كبيرة في أساليب الحكم والعمل السياسي وإدارة الشأن الاقتصادي ومسائل الصحة والتربية والتعليم والحريات الفردية والجماعية والعلاقات الاجتماعية و ممارسات الفساد وأشكال التدين…الخ. نصنع الفساد ونموله، نبني الهياكل ونحطمها، نغتال العقول ونكسر السواعد، نشوه التفكير ونعلي من شأن الشعوذة والجهل وأخطر من ذلك نقنع أنفسنا أننا “نملك” دولة ومؤسسات وسلطة ومجتمعا علما أننا لا نصنع علبة كبريت أو فرشاة أسنان ولا نتحكم في الأرصفة والمراحيض العامة ناهيك عن إدارة امتحان بكالوريا أو تكوين جاد بالجامعات أو التفريق بين الطبيب والراقي..مازلنا نبحث عن رئيس وكم سيكون سعر الليمون في شهر رمضان..تراجيديا في جلد الملهاة ممثلوها في الحكومة والأحزاب والبرلمان ومخرجوها لا نعرف بما نزن جهلهم أبالكيلو أم بالأطنان..هذا هو حال جزائرنا المغدورة مما يجعلنا نتساءل بخوف وجدية : هل لغدنا مستقبل؟
حينما تغرق النخب في النوم و الماضوية والسلط الحاكمة في الاستبداد والشمولية والشعوب في الوهن والسحرية، فإن وعي التاريخ والسياسة والتغيير ينتفي، وبانتفائه يصاب إدراكنا للواقع بالزيف والتمثلات المرضية، والحقيقة الأعمق أننا لم نع التاريخ لا كأحداث ولا كفلسفة وحراك ومعاني، وبقينا نخلط بين فعل التاريخ وحقيقة الذاكرة الجماعية (وهما أمران مختلفان تماما) وما علق بمنظوماتنا النفسية والدينية والثقافية من شوائب وأمراض· ألم تصبح الماضوية (وهي ليست أبدا بالماضي أو التراث) وعاء لسوق الإيديولوجيات عندنا؟ ألا نتنافس رمزيا وسياسيا، في الدين والثقافة والإنية والشرعية، على مرجعيات ماضوية ميتة قاتلة؟
إن عقيدة الماضوية نوع آخر من الاستبداد يعطل فينا حيوية التفكير والنقد والاجتهاد وإصلاح الذات· إنها سلطة مخدرة تنزع بنا نحو الأسطورة والوهم وتبعدنا أكثر فأكثر عن حقيقة واقعنا· والأدهى من ذلك والأمر أن بناءنا التحليلي للواقع -إن وجد- سواء من الناحية الأكاديمية أو السياسية، أصبح هو ذاته مرهونا بتلك الماضوية -المقياس أو المرجع- وحتى لغتنا المشتركة (ولا أقصد هنا اللسان) إنما تشكلت وفق تلك البنى· فالدين يعني إعادة إنتاج نموذج ما في الماضي والإنية الأمازيغية أو العربية الإسلامية كذلك·· الثورة·· الوطنية·· اللغة·· القيم·· الحداثة·· القيادة·· وحتى المرأة؟!! إننا بحق رهائن لواقع مؤدلج بالماضوية سواء أكانت من صميم امتدادنا أو وافدة علينا·
لقد جعلنا من صيرورتنا نسقا تراجعيا يناقض ماهيتها·· ومن الزمن الماضي بعيدا كان أو متوسطا أو قريبا، إقامة روحية ونفسية وثقافية تجد فيها إرادتنا المكبلة راحتها وسكينتها ويرى فيها عقلنا المعطل سره وإبداعه· إن مستقبلنا بالنهاية، وانطلاقا من خصائص الماضوية التي نريد البناء عليها، كشوف جديدة وإبحار في الأزمنة المنتهية·
أتحدث هنا عن الماضوية لمحرك التاريخ لأفهم سر نفورنا من البحث في شؤون المستقبل· لماذا نخاف منه ونعتبر التنبؤ به تدخل سافر في صلاحيات ”المقدس” ونوع من الشرك بالله عز وجل؟ لماذا نعتبره حتمية وقدرية ليس بإمكاننا فك طلاسمها وتحويل اتجاهها إذا لم أقل مغايرته تماما؟
إن التفكير في المستقبل أو ما نسميه الاستشراف لم يعد فقط حيويا وضروريا للتحدي والمنافسة والبقاء وإنما أصبح علما أساسيا وتطبيقا في مختلف الدوائر الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية، والجديد فيه أنه أصبح قاعدة تربوية في المدارس تعتمد في تدريب عقول الأطفال على التفكير فيه والإعداد له قصد النجاح والتفوق·
إن المستقبل ببساطة -على حد تعبير أحدهم- هو الزمن القادم الذي سنعيش فيه·· ولذلك يجب أن نشارك في صناعته وليس التكهن والتنجيم بما يخفيه لنا· وهنا أريد التوضيح أن ”الغد” سياق زمني فيزيائي يعتمد القياس والحساب لا سلطة للإنسان عليه·· أما المستقبل فمدلول ومضمون بمعنى أن الزمن القادم، مباشرا أو متوسط أو منظورا·· الخ، قاسم مشترك بين الجميع·· غير أن ما سينطوي مستقبله فسيختلف باختلاف الديناميكيات والتفاعلات والإبداعات، والأمر ينطبق عمليا على الكيانات الجزئية أو الكلية على السواء أي على الأفراد والشعوب والدول·
وإذا كان زمن ”الغد” خطيا مستمرا لا تراجع فيه، فإنه بالإمكان تحويله من خلال ما نعده لمضمون ”المستقبل” إلى معادلة نوعية بدل طبيعته الكمية· أي أن التنمية أو النمو أو الحضارة لم تعد رهينة الزمن المطلق كما هي الحال في دورة الفصول الطبيعية أو حتى المسار البيولوجي للإنسان·
إن المستقبل، إذا كان ديناميكية وإبداعا، فإنه يختزل الزمن، أما إذا كان ”عطلا وعطبا” فإنه يجعل ثقل التخلف يزداد من حيث الزمن·
وأمثلة ذلك روما القديمة التي استغرقت ثلاثة قرون ونصف كي تصبح إمبراطورية·· أما فرنسا أو أمريكا اليوم فاستغرقتا فقط مائتي سنة·
والنقلة كانت أكبر مع يابان – مايجي التي تطلبت فقط قرنا من الوقت.
في حين أن الإمبراطورية السوفيتية -سابقا- تربعت على نصف العالم في أقل من ثمانين سنة· غير أن ما يشبه المعجزة هو ما حدث مع نموذج التنين ذي الرؤوس الأربعة في جنوب شرق آسيا· فقد انتقل من المستوى المعيشي للمغرب إلى نظيره الإسباني في ظرف عشرين سنة فقط· وعليه، يمكننا القول إن المستقبل أصبح شبه آلة يمكن التحكم فيها بآليات الخبرة والذكاء والابتكار والمشاركة الجماعية·
وأنا أنظر إلى ما يحصل عندنا من معاداة للعلم والتفكير الاستراتيجي وارتجال في اتخاذ القرار واعتماد على المزاج أكثر من العقل في شؤون التربية والتكوين الجامعي والعمران وبناء المدن الجديدة وشبكات الاتصال والأنظمة الصحية والفلاحية وقطاع النفط والأمن وباقي المجالات، أتساءل بحق وأنا خائف، أهكذا يكون البناء؟ أهكذا نقطع الطريق أمام التخلف؟ وهل فعلا لغدنا مستقبل إلا كمثله مما ممضى أو أخطر؟؟
بعد نصف قرن من اللعب و”البريكولاج” وهدم مقدراتنا الذهنية والنفسية والمادية والتلاعب بمصير الأرض وفشلنا في بناء دولة قانون حقيقية واقتصاد تنافسي فعال بعيدا عن الاتكالية وثقافة الريع ومجتمع يزاوج بين العلم والقيم الايجابية، لم تبق أمامنا إلا خيارات محصورة في زمن أضيق وبرهانات وتحديات اكبر وأعمق وأخطر. فإما نصبح جديين ونقرر الاتجاه جماعيا نحو المستقبل وإما سنتحول إلى “غــثاء” وسنفقد ما يشبه “استقلالنا” وأرضنا على مذبح عرابي الخارطة الجيوسياسية والاقتصادية الدولية القادمة.
فضيـــل بوماله

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. اننا نحصد ثمار الكبر ..كذبوا علينا و صدقنا الكذبات ثم اصبحنا نلوك تلك الاكاذيب على انها حقيقة مطلقة و اعتقدنا أننا فعلا كما نعتقد انفسنا، أسقطنا عظمة الشعب أثناء الثورة على الشعب بعد الاستقلال فظن انه عظيم الى الابد، ضحكنا على الامم و نحن عرتها، تعودنا على المدخول السهل فنسينا معنى كلمة “عمل”، طردنا كل متفوق و سخرنا من كل مبدع و جرمنا كل مجدد و قمنا بتتفيه آباء الدولة الحقيقيين ، مجدنا الاصنام و كان اكبرها الصنم الذي يجثم في كل جزائري و هو الكبر..نعتقد دائما أننا الاقوى و اننا الاصح و أننا “الأرجل” و أننا الاكبر و أننا الأذكى و أننا الأفضل…و لكن في خيالنا، الامم الجادة تستغل حاضرها لأجل مستقبلها و نحن أهدرنا حاضرنا في “التفنطيز” على الامم بماضينا، و يا ليتنا كنا كمن صنعوا ذلك الماضي..أنت يا سيدي و أنا و كلنا كشعب لا نستحق هذه الجزائر التي من المؤكد أنه مر على كل واحد فينا فترة فكر فيها في تركها أو في ارسال أبنائه بعيدا عنها..و الان نسبة كبيرة منا لازالت تعتبر الجزائر مجرد “ترانزيت” لا يهمنا حالها كيف سيكون لاننا نفكربأننا لن نكون فيها.. و يهمنا فقط كيف هو حالها الان لاننا “حاصلين” فيها حاليا..بعضنا معجب بالامارات و البعض بأوروبا و البعض بأمريكا و البعض بكندا و البعض باليابان و البعض بتركيا و البعض بقطر و تركنا الجزائر ثكلى و هي أم الاربعين مليون نسمة..والان علينا الاعتراف أن كل شيء سيء نتكلم عنه في الجزائر هو إما صنيعة أيدينا أو صنيعة تواطئنا..نعم كل شيء: الرشوة ، السرقة، الاجرام، الفساد الاخلاقي، الاوساخ ، الانتهازية، “المعريفة”، الذل، الفقر… فنحن لسنا أبرياء و علينا الاعتراف بجرمنا في حق وطننا.
    و حتى لو استأنسنا بمسح الموس في النظام و الحكومة و استوردنا حكومة كاملة جاهزة من ألمانيا أو اليابان فما الذي سيحدث يا سيد بومالة ؟
    ستطبق هذه الحكومة برنامج عمل على أساس الفعالية الاقتصادية و السياسية وفق رزنامة مدروسة بهدف تحقيق تطور ايجابي في البلاد وتقديم اضافة للعباد…إلا أن هذه الحكومة المسكينة ستصطدم بالشعب الجزائري الأبي الذي لا يرضى بالرضوخ لما تسميه تلك الأمم بالقانون..فكيف سيجد الشعب نفسه مجبرا على دفع ضرائبه أو سيفقد ببساطة الخدمات العمومية؟ كيف سيعيش من دون قاعدة “راقدة و تمونجي”؟ كيف سيجبر على شراء الاساسيات و دفع فواتيره بالسعر العالمي دون دعم من الحكومة؟ كيف سيقبل أن تجبره هذه الحكومة “الغاشمة” على احترام قانون المرور؟ و تعاقبه اذا رمى بكيس القمامة من شرفة العمارة؟ ..لا بد أنها ستكون حكومة “حقارة” اذا طردت العامل عندما يأتي متأخرا أو يخرج مبكرا من عمله..كيف ستنجح هذه الحكومة و الجزائر تخاف من النجاح؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق